بقلم ديانا جونستون – باريس
…………….
منشور بتاريخ 18-02-2012 – ترجمة فريق Syrian Truth | الحقيقة السورية و نعيد النشر للأهمية و استقراء الواقع من خلال ما تمت كتابته في الأيام الأولى للأزمة السورية
…………….
ماذا لو وضع مستطلعو الرأي السؤال التالي أمام مواطني الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي:
“ما هو الأكثر أهمية، ضمان حرية الإسلاميين الساخطين ليطيحوا بالنظام العلماني في سوريا، أم تجنب حرب عالمية ثالثة؟”
أعتقد أن الأغلبية ستصوت لتجنب الحرب العالمية الثالثة.
ولكن، بالطبع، من المستحيل أن يطرح السؤال ضمن إطار كهذا، لأنه سيجعل منه سؤالاً “واقعياً”، ونحن الغربيون، من علياء تفوقنا الأخلاقي، لا نملك الوقت للواقعية “المبتذلة” في سياساتنا الخارجية (إلا في حال رون بول غريب الأطوار، الذي ينادي بها في براري الانتخابات الجمهورية التمهيدية). يعود السبب في ذلك إلى أن عقول طبقتنا السياسية الحاكمة، تمتلك الولايات المتحدة القوة “لصنع الواقع”، ولذلك لا يتوجب علينا أن نعير أي انتباه إلى بقايا الواقع الذي لم نخترعه بأنفسنا.
ولكن واقعنا الاصطناعي يصطدم بالواقع الذي يراه أغلبية، أو على الأقل جزء كبير، من العالم. وأنصار هذه الآراء مسلحون حتى النخاع، ويمتلكون أسلحة نووية قادرة على ترك كوكبنا هذا مرتعاً للحشرات.
نظرياً، هناك وسيلة للتعامل مع هذا الوضع الخطير الذي يمكن أن يقودنا إلى حرب عالمية. وسيلة تدعى الدبلوماسية. أشخاص قادرون على فهم الأفكار غير الاعتيادية وإدراك وجهات نظر مختلفة عن وجهات نظرهم، ودراسة القضايا الموجودة في جوهر النزاع، واستخدام ذكائهم لإيجاد حلول قد لا تكون مثالية ولكنها على الأقل قد تساهم في تجنب تدهور الأمور.
وقد تم تشكيل هيكل تنظيمي من أجل هذا الغرض، اسمه الأمم المتحدة.
ولكن الأمم المتحدة اتخذت قرارها بأن القوة العظمى الوحيدة لا تحتاج فعلياً لأن تنحني أمام الدبلوماسية لكي تحصل على ما تريده. وهكذا تحولت الأمم المتحدة إلى أداة في يد السياسة الأمريكية. تبدى هذا التحول في أوضح صوره في فشل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة من منع الناتو من إساءة استخدام قوته ومبدأ “مسؤولية الحماية” الغامض والمثير للجدل، عند استخدام القوة العسكرية للإطاحة بالنظام الليبي.
في مطلع هذا العام، صرح أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون بفرح “لقد عانق العالم “مسؤولية الحماية”، ليس لأنها الوسيلة الأسهل، بل لأنها الوسيلة الصحيحة. ولذلك، نحن الآن أمام مسؤولية أخلاقية تدفعنا للتقدم نحو الأمام.”
تتفوق “الأخلاقية” على مبدأ الأمم المتحدة الرئيسي، الداعي إلى حماية السيادة الوطنية. يتابع بان كي مون قائلاً أن “المتابعة بمسؤولية الحماية يعتبر الاختبار التالي لإنسانيتنا المشتركة. وأن الاختبار هو هنا، في سوريا.”
إذن، يؤمن أمين عام الأمم المتحدة بأن دليله الأساسي تجاه الأزمة في سوريا هو “المسؤولية الأخلاقية التي توجب الحماية”. وفي حال كان هناك أي شك، فإن المثال الليبي يبين لنا ماذا يعني إيمانه هذا تماماً.
دولة لا ينتمي حكامه إلى النادي الغربي الذي يضم دول الناتو وإسرائيل وأمراء دول الخليج وأفراد العائلة المالكة السعودية، تعصف بها المظاهرات المناهضة للنظام والتمرد المسلح، ويمتزج الطرفان بحيث يصعب التفريق بينهما. يسارع الإعلام الغربي إلى نقل القصة وفق قالب معياري “حاكم الدولة دكتاتور”. ولذلك، يريد المتمردون التخلص منه ليستمتعوا بالديمقراطية وفق الوصفة الغربية. وهكذا، يجب على الشعب بأكمله أن يقف في صف التمرد. وعندما قامت القوى العسكرية بقمع التمرد المسلح، قيل أن الدكتاتور يذبح شعبه. ومن هنا انطلقت المجتمع الدولي مدفوعاً بمبادئ “مسؤولية الحماية”، ليساعد المعارضين في تدمير قوى الدولة العسكرية والتخلص من، أو قتل، الدكتاتور. أما مشهد النهاية السعيدة، فنرى فيه هيلاري كلينتون تصرخ قائلة “أتينا، رأينا، ومات!!”
ومن ثم، تغرق الدولة في الفوضى، بينما تروم الجماعات المسلحة أرجاء الدولة، ويتم تعذيب السجناء، وتلجم النساء، ليس هناك من يدفع الرواتب، ويتم تجاهل التعليم والرعاية الاجتماعية، أما النفط، فيتم ضخه، ويشجع الغرب المنتصر على الانتقال إلى تحرير دولة أخرى.
كان هذا النموذج الليبي.
ولكن، في حال سوريا، فإن الوضع أكثر تعقيداً. فعلى نقيض ليبيا، تمتلك سوريا جيشاً قوياً نوعاً ما. وعلى نقيض ليبيا، لدى سوريا عدد من الأصدقاء المهمين في العالم. وعلى نقيض ليبيا، تجاور سوريا إسرائيل. وفوق كل ما ذكر، فإن تنوع المجتمعات الدينية في سوريا أكبر بكثير وقابل للاشتعال بشكل أكبر وأخطر من التقسيمات القبلية الموجودة في ليبيا. أما الادعاء بأن “شعب سوريا” بأكمله، مجتمع على رغبة تغيير فوري في النظام، فهو ادعاء أخرق.
الديمقراطية الانتخابية هي لعبة تعتمد مبدأ العقد الاجتماعي، أي الإجماع العام والاتفاق على قبول حكم من يحصل على أكبر عدد من الأصوات. ولكن، هناك مجتمعات لا يوجد فيها مثل هذا الإجماع بكل بساطة، حيث يكون انعدام الثقة بين مختلف قطاعات المجتمع عظيماً إلى حد لا يوصف. ومن الممكن أن يكون هذا هو الحال في سوريا، حيث يوجد لدى بعض الأقليات، منها المسيحية والعلوية، سبب وجيه للتخوف من الأكثرية السنية التي يمكن للإسلاميين قيادتها، وهؤلاء الإسلاميون لا يخفون عداءهم للأديان الأخرى. ومع ذلك، قد يكون الوقت قد حان للتغلب على انعدام الثقة هذا وبناء ديمقراطية انتخابية تضمن حقوق الأقليات. ولكن، الخطوة المضمونة لتعثر مثل هذه الخطوة نحو الديمقراطية هي اندلاع حرب أهلية، وهي الأمر الذي سيؤدي بشكل حتمي إلى اندلاع الكراهية وانعدام الثقة بين المجتمعات المختلفة. لفت إيسلنغ بيرن، ومن هذا الموقع في الشهر الماضي، الأنظار إلى نتائج استفتاء شعبي مولته مؤسسة قطر نفسها، التي لا يمكن اتهامها بأنها تعمل لصالح نظام الأسد، حيث أن العائلة المالكة القطرية تقود المعارضة بهدف الإطاحة بذلك النظام. أظهرت نتائج الاستفتاء أنه “وعلى الرغم من أن معظم العرب خارج سوريا يشعرون بأن على الأسد التنحي، فإن الميول داخل الدولة مختلفة. يرغب 55% من السوريين ببقاء الأسد، يدفعهم إلى ذلك خوفهم من الحرب الأهلية، وهو الأمر الذي لا يعتبر نظرياً لأولئك الذين يعيشون داخل الأراضي السورية، كما يعتبره الآخرون خارج حدود البلاد. ولكن، بين الاستفتاء كذلك أن نصف السوريين الذين يقبلون ببقائه في كرسي السلطة يؤمنون بأنه يتوجب عليه أن يعتمد انتخابات حرة في المستقبل القريب.”
وما هذا سوى مؤشر على وضع في غاية التعقيد. يرغب السوريون في انتخابات حرة، ولكنهم يفضلون بقاء الأسد في السلطة لتنظيمهم. وبما أن هذا هو الحال، فإن الدبلوماسية الروسية تدعو نظام الأسد بقوة لتسريع عمليات الإصلاح، الأمر الذي يبدو متناغماً مع الرأي العام السوري. وبينما يشجع الروس الرئيس الأسد على الإسراع بعمليات الإصلاح، يوجه الغرب إليه الأوامر بإيقاف العنف (أي أن يأمر جيشه بالاستسلام)، ومن ثم الاستقالة من منصبه. ومن غير المتوقع أن يتم اتباع أي من هذه النصائح. لا شك في أن روسيا ترغب بإنهاء العنف المستعر، وذلك لأسبابها الخاصة، ولكن ذلك لا يعني أنها تملك القوة لفرض ذلك. إن المحاولة الروسية لإيجاد حل، وهي المحاولة التي أسقطها الغرب الداعم للمعارضة، لم تفد في شيء سوى في جعل روسيا تتحمل اللوم على حمام الدماء الذي ترغب في إيقافه فعلياً. وفي وضع ينذر بحرب أهلية وشيكة يرى النظام، وأي نظام في مثل هذا الوضع، أن عليه إعادة الاستقرار والنظام قبل أي شيء آخر. وإعادة النظام، في ظل هذه الظروف، يعني زيادة العنف، وليس تقليله. أما الأمر “بالتوقف عن قتل شعبك” فهو يشير إلى أن الدكتاتور، مثل الغول في القصص الخيالية، مشغول بالتهام الأبرياء الذين لا حول لهم ولا قوة. ينبغي على الغول التوقف، ليتمكن الناس من متابعة حياتهم بسلام بانتظار الانتخابات الحرة التي ستحمل لهم بركات الحياة المتناغمة وحقوق الإنسان. وفي الواقع، إن قامت القوات المسلحة بالانسحاب من المناطق التي تشهد تمرداً مسلحاً، فإن هذا سيعني تسليم تلك المناطق إلى المتمردين. ومن هم هؤلاء؟ إننا، وبكل بساطة، لا نعرف. من الممكن أن يكون الشخص الأكثر دراية منا بهذا الأمر هو خليفة أسامة بن لادن في قيادة القاعدة، أيمن الظواهري، الذي رأيناه في تسجيل فيديو يستحث المسلمين في تركيا والدول العربية المجاورة لدعم المتمردين السوريين.
ومع وجود جماعات مسلحة لا تخضع لسيطرة أو تحكم في ساحة القتال، يعتبر الطلب الغربي الملح “بضرورة تنحي الأسد”، لا يكون فعلياً مطالبة بتغيير النظام. إنه أمر بأن يدمر النظام نفسه. فكما كان الحال في ليبيا، ما من شك في أن البلاد ستسلم فعلياً إلى جماعات مسلحة متناحرة، مع تفوق تلك الجماعات التي تقوم الناتو بدعمها بشكل خفي من خلال تركيا وقطر من ناحية التسليح والعتاد. النتيجة المحتملة هي حرب أهلية متعددة الجوانب أكثر فظاعة ورعباً من تلك التي تدور في ليبيا، وذلك بفضل الاختلافات الدينية الموجودة في سوريا. أما بالنسبة للغرب، فإن الفوضى والتدمير الذاتي للنظام سيكون له فائدة فورية: حرمان إيران من حليفها في ظل ضربة محتملة موجهة إلى إسرائيل. ومع تحييد العراق وسوريا من خلال النزاعات الدينية الداخلية، يصبح خنق إيران أسهل بكثير، أو هذا على الأقل ما يتوقعه واضعو الإستراتيجيات الغربية.
في المرحلة الأولى على الأقل، تعتمد الحملة الهادفة إلى تحطيم نظام الأسد على التخريب أكثر من الهجوم العسكري المباشر الذي استخدم في ليبيا. مزيج من العقوبات الاقتصادية القاسية وتقديم الدعم للمتمردين، بما في ذلك تأمين مقاتلين من خارج سوريا، وبشكل خاص من ليبيا (بغض النظر عمن يكون هؤلاء)، والذين يساعدهم، حسبما تتناقل الأنباء، المملكة المتحدة وقطر. يتوقع من كل ذلك أن يساهم في إضعاف الدولة وانهيار نظام الأسد. السلاح الثالث في هذا الهجوم هو الدعاية الإعلامية، التي تمارسها قنوات التيار الإعلامي العام التي أصبحت الآن معتادة على نقل الأحداث وفق نمط محدد: الدكتاتور الشرير يقتل شعبه. لا بد أن يكون بعض ما تتناقله وسائل الإعلام حقيقة، وبعضها الآخر كذباً، ولكن كل ما يتم نقله، يتم اختياره وانتقاؤه أولاً. فكل الضحايا هم ضحايا النظام، فالمتمردون ليس لهم أي ضحايا. أما السوريون الكثير الذين يخشون المتمردين المسلحين أكثر من خوفهم من الحكومة الحالية، فيتم تجاهلهم بالطبع من قبل الإعلام، مع أننا يمكن أن نرى مظاهراتهم على الإنترنت. ومن غرائب الأزمة السورية هذه الطريقة التي يفضل فيها الغرب، الفخور بإرثه اليهودي المسيحي، القضاء الكلي على المجتمعات المسيحية القديمة الموجودة منذ الأزل في الشرق الأوسط. أما الأصوات التي تقول أن السوريين المسيحيين يعتمدون على حماية حكومة الأسد العلمانية، التي يشارك فيها المسيحيون أنفسهم، وأنهم وغيرهم من الأقليات السورية، مثل العلويين، قد يكونوا مجبرين على الهرب من البلاد إن حقق الغرب رغبته، فهي نداءات لا تلق من يسمعها.
تهدف الرواية التي تحكي عن الديكتاتوريات التي تقتل شعوبها بشكل أولي إلى تبرير الإجراءات الغربية القاسية المتخذة ضد سوريا. وكما كان الحال في البوسنة، تعمل أجهزة الإعلام على رفع مستوى النقمة والسخط لدى الناس، لإجبار الحكومة الأمريكية على فعل ما تقوم فعلياً به: تسليح المتمردين المسلمين، تحت اسم “حماية المدنيين”. في شهر ديسمبر الماضي، قال مستشار مجلس الأمن توم دونيلون أن “سقوط نظام الأسد سيكون أكبر ضربة لإيران في المنطقة حتى تاريخنا هذا، ضربة إستراتيجية ستزيد من ثقل موازين القوى المعادية لإيران في الشرق الأوسط. و”حماية المدنيين” ليس الهم الوحيد لدى أمريكا، فهم هناك يفكرون بأمور أخرى مثل ميزان القوة. ومع ذلك، فإن ميزان القوى هو رفاهية لا تدخل في معادلاتها القوى الأقل فضيلة، مثل روسيا والصين. من المؤكد أن تحريك ميزان القوى في المنطقة ليس محدوداً بدولة واحدة هي إيران. فهذا التحريك يعني أيضاً مزيداً من القوة لإسرائيل، وبالطبع أمريكا وحلف شمال الأطلسي، إلى جانب تقليص تأثير روسيا. إن الدفع بسوريا نحو الفوضى هو جزء من الحرب ضد إيران، ولكنه أيضاً، وبطريقة ضمنية، جزء من الحملة الهادفة إلى تقليص دور روسيا، وبعدها الصين. أي بالمختصر، فإن الحملة الحالية ضد سوريا، هي في الحقيقة استعداد لحرب مستقبلية ضد إيران، وهي أيضاً، بطريقة ما، شكل من الهجوم طويل المدى ضد روسيا والصين.
لم يكن استخدام روسيا والصين لحق النقض “الفيتو” مؤخراً في مجلس الأمن سوى طريقة مهذبة لوضع حد لهذا المخطط. أما سبب الفيتو فهو يعزى إلى عزم الغرب على تمرير قرار يطالب انسحاب قوات الحكومة السورية من المناطق الساخنة دون الأخذ في عين الاعتبار وجود الجماعات المتمردة المسلحة المتأهبين للسيطرة على تلك المناطق. وبينما طالب القرار الغربي نظام الأسد “بسحب كافة القوات العسكرية والمظاهر المسلحة من المدن والبلدات وإعادتها إلى ثكناتها”، رغب الروس في إضافة ” ليتزامن هذا الانسحاب مع إيقاف كافة الهجمات التي تقوم بها الجماعات المسلحة ضد المؤسسات الحكومية والأحياء والبلدات.” كان الهدف من ذلك تجنب استغلال المجموعات المسلحة للفراغ الذي سيتركه انسحاب القوات العسكرية لاحتلال المدن (مثلما حصل على سبيل المثال في يوغوسلافيا خلال التسعينات). وهكذا، أدى رفض الغرب لمحاولات السيطرة على التمرد المسلح إلى استخدام الفيتو الروسي والصيني في الرابع من شباط.
أطلق الفيتو المزدوج عاصفة من الإهانات من “أنصار الإنسانية” الغربيين. ففي محاولة واضحة لزرع الشقاق بين القوتين العنيدتين، شدد الناطقون باسم أمريكا على أن الشرير الأساسي هو روسيا، المتهمة بذنب صداقتها مع نظام الأسد.
روسيا حالياً هي هدف حملة إعلامية استثنائية تتركز على تشويه سمعة فلاديمير بوتين بينما هو على عتبات حملة انتخابية رئاسية. برر أحد كتاب صحيفة “نيو يورك تايمز” دعم روسيا لسوريا بتشابه مزعوم بين بوتين والأسد. كما رأينا في يوغوسلافيا، اعتبر الرئيس المنتخب في انتخابات حرة متعددة الأحزاب والأطراف “دكتاتوراً” عندما لا ترضي سياساته الغرب. فمدمن الكحول المثير للشفقة يلتسن، كان مفضلاً لدى الغرب، على الرغم من تسببه في إسقاط البرلمان وفشله. وكان السبب واضحاً: كان يلتسين ضعيفاً يسهل التلاعب به. أما السبب الذي يدفع الغرب إلى كراهية بوتين فهو أيضاً أمر واضح تماماً، فهو يبدو عازماً على الدفاع عن مصالح دولته ضد الضغوطات الغربية.
أصبح الاتحاد الأوروبي تابعاً للولايات المتحدة. ففي هذا الأسبوع، تابع الاتحاد الأوروبي إضعاف شعب اليونان من أجل استنزاف المزيد من الأموال، ليقرض المصارف الألمانية والفرنسية، بهدف دفع ثمن الاسلحة المتطورة المباعة إلى اليونان من قبل ألمانيا وفرنسا. ها هي الديمقراطية في أوروبا تتقوض بسبب خنوعه لسياسة نقدية مقززة، فالبطالة والفقر يهددان بضرب استقرار المزيد من الدول الأعضاء في هذا الاتحاد. ولكن ما هو الموضوع الذي يناقشه البرلمان الأوروبي الشهري في الأسبوع؟ إنه “الوضع في روسيا”. ويمكننا هنا أن نثق أن الخطباء في ستراسبورغ سيحاضرون الروس حول “الديمقراطية”. أما النقاد وفنانو الرسوم الأمريكيون، فقد زادوا من تبطين المعايير المزدوجة لديهم، ليتمكنوا من شجب الأسلحة الروسية القليلة التي تصل إلى سوريا، ونعتها بدعم للديكتاتورية، بينما تبحر كميات مهولة من الاسلحة الأمريكية إلى السعودية ودول الخليج، دون أن يلاحظ أيهم الطبيعة الاستبدادية لتلك الأنظمة (وفي غالب الأحيان، يتم انتقاد هذه الإرساليات على أسس أن هذه الدول قد تشكل تهديداً لإسرائيل). فمن أجل أن تصبح روسيا “ديمقراطية”، ينبغي عليها أن تتعاون في خنوعها وخضوعها لواشنطن، بينما تسعى الولايات المتحدة إلى بناء غطاء صاروخي سيمكنها، نظرياً، من توجيه الضربة النووية الأولى ضد روسيا، وتقوم بتسليح جورجيا لتهيئها لحرب أخرى ضد روسيا من أجل السيطرة على أوسيتيا الجنوبية، كما تتابع محاصرة روسيا بقواعد عسكرية وتحالفات معادية. لم يخض سياسيو الغرب وإعلاميوها حرباً عالمياً ثالثة بعد، ولكنهم يعدون أنفسهم لها. وأفعالهم على الدوام أوضح وأعلى صوتاً من أقوالهم، وخاصة بالنسبة لأولئك الذين يفهمون إلى ماذا تقود هذه الأفعال. مثل الروس. إن الوهم الجماعي لدى الغرب، المتمثل في الحلم بالعظمة، والوهم بأنها تمتلك القوة “لصناعة الواقع”، هي أوهام لديها زخم يقود العالم نحو كارثة. وما الذي يمكن أن يوقف هذه الكارثة؟؟ أيكون نيزكاً من الفضاء البعيد؟
ديانا جونستون هي كاتبة “حرب الحمقى الصليبية: يوغوسلافيا والناتو والأوهام الغربية”. يمكن التواصل معها عبر Diana.josto@yahoo.fr